فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

العضل: المنع والحبس وعدم الانتقال، فمنه عضَّلت المرأة بالتشديد إذا عسرت ولادتها وعضَّلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج، والمعاضلة في الكلام: احتباس المعنى حتى لا يبدو من الألفاظ، وهو التعقيد، وشاع في كلام العرب في منع الولي مولاته من النكاح.
وفي الشرع هو المنع بدون وجه صلاح، فالأب لا يعد عاضلًا برد كفء أو اثنين، وغير الأب يعد عاضلًا برد كفء واحد.
وإسناد النكاح إلى النساء هنا لأنه هو المعضول عنه، والمراد بأزواجهن طالبو المراجعة بعد انقضاء العدة، وسماهن أزواجًا مجازًا باعتبار ما كان، لقرب تلك الحالة، وللإشارة إلى أن المنع ظلم؛ فإنهم كانوا أزواجًا لهن من قبل، فهم أحق بأن يُرَجَّعن إليهم.
وقوله: {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} شرط للنهي، لأن الولي إذا علم عدم التراضي بين الزوجين، ورأى أن المراجعة ستعود إلى دخل وفساد فله أن يمنع مولاته نصحًا لها، وفي هذا الشرط إيماء إلى علة النهي: وهي أن الولي لا يحق له منعها مع تراضي الزوجين بعود المعاشرة، إذ لا يكون الولي أدرى بميلها منها، على حد قولهم في المثل المشهور رضي الخصمان ولم يرض القاضي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (233):

قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان النكاح قد يكون عنه ولادة فيكون عنها رضاع وقد تكون المرضعة زوجة وقد تكون أجنبية والزوجة قد تكون متصلة وقد تكون منفصلة وكان الفراق بالطلاق أكثر منه بالموت وسّطه بين عدتي الطلاق والوفاة لإدلائه إلى كل بسبب واهتمامًا بشأنه وحثًا على الشفقة على الصغير وشدة العناية بأمره لأن الأم ربما كانت مطلقة فاستهانت بالولد إيذاء للزوج إن كان الطلاق عن شقاق أو رغبة في زوج آخر، وكذا الأب فقال تعالى عاطفًا على ما تقديره مثلًا: فالنساء لهن أحكام كثيرة وقد علمتم منها هنا أصولًا تفهم من بصره الله كثيرًا من الفروع، والمطلقات إن لم يكن بينكم وبينهن علقة بولادة أو نحوها فلا سبيل لكم عليهن.
وقال الحرالي: لما ذكر سبحانه وتعالى أحكام الاشتجار بين الأزواج التي عظم متنزل الكتاب لأجلها وكان من حكم تواشج الأزواج وقوع الولد وأحكام الرضاع نظم به عطفًا أيضًا على معاني ما يتجاوزه الإفصاح ويتضمنه الإفهام لما قد علم من أن إفهام القرآن أضعاف إفصاحه بما لا يكاد ينتهي عده فلذلك يكثر فيه الخطاب عطفًا أي على غير مذكور ليكون الإفصاح أبدًا مشعرًا بإفهام يناله من وهب روح العقل من الفهم كما ينال فقه الإفصاح من وهبه الله نفس العقل الذي هو العلم؛ انتهى- فقال تعالى: {والوالدات} أي من المطلقات وغيرهن، وأمرهن بالإرضاع في صيغة الخبر الذي من شأنه أن يكون قد فعل وتم تنبيهًا على تأكيده وإن كان الندب بما أفهمه إيجاب الأجرة لهن هنا وفي سورة الطلاق وما يأتي من الاسترضاع فقال: {يرضعن أولادهن} قال الحرالي: جعل تعالى الأم أرض النسل الذي يغتذي من غذائها في البطن دمًا كما يغتذي أعضاؤها من دمها فكان لذلك لبنها أولى بولدها من غيرها ليكون مغذاه وليدًا من مغذاه جنينًا فكان الأحق أن يرضعن أولادهن، وذكره بالأولاد ليعم الذكور والإناث؛ وقال: الرضاعة التغذية بما يذهب الضراعة وهو الضعف والنحول بالرزق الجامع الذي هو طعام وشراب وهو اللبن الذي مكانه الثدي من المرأة والضرع من ذات الظلف- انتهى.
ولما ذكر الرضاع ذكر مدته ولما كان المقصود مجرد تحول الزمان بفصوله الأربعة ورجوع الشمس بعد قطع البروج الاثني عشر إلى البرج الذي كانت فيه عند الولادة وليس المراد الإشعار بمدح الزمان ولا ذمه ولا وصفه بضيق ولا سعة عبر بما يدل على مطلق التحول فقال: {حولين} والحول تمام القوة في الشيء الذي ينتهي لدورة الشمس وهو العام الذي يجمع كمال النبات الذي يتم فيه قواه- قاله الحرالي. وكأنه مأخوذ مما له قوة التحويل. ولما كان الشيء قد يطلق على معظمه مجازًا فيصح أن يراد حول وبعض الثاني بين أن المراد الحقيقة قطعًا لتنازع الزوجين في مدة الرضاع وإعلامًا بالوقت المقيد للتحريم كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الرضاعة من المجاعة» بقوله: {كاملين} ولما كان ذلك ربما أفهم وجوب الكمال نفاه بقوله: {لمن} أي هذا الحكم لمن {أراد أن يتم الرضاعة} فأفهم أنه يجوز الفطام للمصلحة قبل ذلك وأنه لا رضاع بعد التمام. وقال الحرالي: وهو أي الذي يكتفى به دون التمام هو ما جمعه قوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} [الأحقاف: 15] فإذا كان الحمل تسعًا كان الرضاع أحدًا وعشرين شهرًا، وإذا كان حولين كان المجموع ثلاثًا وثلاثين شهرًا فيكون ثلاثة آحاد وثلاثة عقود فيكون ذلك تمام الحمل والرضاع ليجتمع في الثلاثين تمام الرضاع وكفاية الحمل- انتهى. اهـ.

.اللغة:

{فصالا} الفصال والفصل: الفطام، سمى به لأن الولد ينفصل عن لبن أمه إلى غيره من الأقوات، قال المبرد: الفصال أحسن من الفصل، لأنه إذا انفصل عن أمه، فقد انفصلت عنه، فبينهما فصال كالقتال والضراب.
{تشاور} استخراج الرأي ومثله المشاورة والمشورة، مأخوذ من الشور وهو استخراج العسل.
{يذرون} يتركون، وهذا الفعل لا يستعمل منه الماضي ولا المصدر.
{عرضتم} التعريض: الإيماء والتلويح من غير كشف وإظهار، مأخوذ من عرض الشيء أي جانبه، كقول الفقير للمحسن: جئت لأنظر إلى وجهك الكريم.
{خطبة} بكسر الخاء طلب النكاح، وبالضم الموعظة كخطبة الجمعة والعيدين.
{أكننتم} سترتم وأضمرتم والإكنان: السر والخفاء.
{عقدة النكاح} من العقد وهو الشد، وفي المثل: يا عاقد اذكر حلا قال الراغب: العقدة اسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما.
{حليم} يمهل العقوبة فلا يعجل بها للعاصي.
{المقتر} الفقير يقال: أقتر الرجل إذا افتقر. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{لا تضار} بضم الراء: أبو عمرو وسهل ويعقوب وابن كثير وقتيبة. الباقون بفتح الراء ولا خلاف في قوله: {ولا يضار كاتبٌ ولا شهيد} [البقرة: 282] بالفتح {ما أتيتم} مقصورًا: ابن كثير. الباقون بالمد {يتوفون} بفتح الياء وما بعده: المفضل. الباقون بضم الياء {النساء أو} بهمزتين: عاصم وعلي وحمزة وخلف وابن عامر. الباقون {النساء} وروى الخزاعي وابن شنبوذ عن أهل مكة {النساء أو}. {تماسوهن} حيث وقعت: علي وحمزة وخلف. الباقون {تمسوهن} {قدره} بالتحريك: يزيد وابن ذكوان وروح وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد. الباقون بالإسكان.

.الوقوف:

{الرضاعة} ط {بالمعروف} ط {وسعها} ج لاستئناف اللفظ مع قرب المعنى {مثل ذلك} ج {عليهما} ط لابتداء الحكم في استرضاع الأجنبية {بالمعروف} ط {بصير} O {وعشرًا} ج {بالمعروف} ط {خبير} O {أنفسكم} ط {معروفًا} ط {أجله} ط لابتداء الأمر {فاحذروه} ج للفصل بين موجبي الخوف والرجاء ولهذا كررت كلمة {واعلموا} تقديره غفور حليم فارجوه والوقف أليق {حليم} O {فريضة} ج لعطف المختلفتين {ومتعوهن} ج لانقطاع النظم مع اتصال المعنى، لأن الجملة الثانية لتقدير المأمور في الأولى {قدره} الثاني ج لأن {متاعًا} مصدر {متعوهن} والوقف لبيان أنه غير متصل بما يليه من الجملتين العارضتين {بالمعروف} ج لأن {حقًا} يصلح نعتًا للمتاع أي متاعًا حقًا، ويصلح مصدر المحذوف أي حق ذلك حقًا. {المحسنين} ط {النكاح} ط {للتقوى} ط {بينكم} O {بصير} O. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} انتقال من أحكام الطلاق والبينونة؛ فإنه لما نهى عن العضل، وكانت بعض المطلقات لهن أولاد في الرضاعة ويتعذر عليهن التزوج وهن مرضعات؛ لأن ذلك قد يضر بالأولاد، ويقلل رغبة الأزواج فيهن، كانت تلك الحالة مثار خلاف بين الآباء والأمهات، فلذلك ناسب التعرض لوجه الفصل بينهم في ذلك، فإن أمر الإرضاع مهم، لأن به حياة النسل، ولأن تنظيم أمره من أهم شؤون أحكام العائلة.
واعلم أن استخلاص معاني هذه الآية من أعقد ما عرض للمفسرين.
فجملة: {والوالدات يرضعن} معطوفة على جملة: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن} [البقرة: 232] والمناسبة غير خفية. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن في قوله تعالى: {والوالدات} ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد منه ما أشعر ظاهر اللفظ وهو جميع الوالدات، سواء كن مزوجات أو مطلقات، والدليل عليه أن اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه.
والقول الثاني: المراد منه: الوالدات المطلقات، قالوا: والذي يدل على أن المراد ذلك وجهان:
أحدها: أن الله تعالى ذكر هذه الآية عقيب آية الطلاق، فكانت هذه الآية تتمة تلك الآيات ظاهرًا، وسبب التعليق بين هذه الآية وبين ما قبلها أنه إذا حصلت الفرقة حصل التباغض والتعادي، وذلك يحمل المرأة على إيذاء الولد من وجهين:
أحدهما: أن إيذاء الولد يتضمن إيذاء الزوج المطلق.
والثاني: أنها ربما رغبت في التزوج بزوج آخر، وذلك يقتضي إقدامها على إهمال أمر الطفل فلما كان هذا الاحتمال قائمًا لا جرم ندب الله الوالدات المطلقات إلى رعاية جانب الأطفال والاهتمام بشأنهم، فقال: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن} والمراد المطلقات.
الحجة الثانية لهم: ما ذكره السدي، قال: المراد بالوالدات المطلقات، لأن الله تعالى قال بعد هذه الآية: {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} ولو كانت الزوجية باقية لوجب على الزوج ذلك بسبب الزوجية لا لأجل الرضاع، واعلم أنه يمكن الجواب عن الحجة الأولى أن هذه الآية مشتملة على حكم مستقل بنفسه، فلم يجب تعلقها بما قبلها، وعن الحجة الثانية لا يبعد أن تستحق المرأة قدرًا من المال لمكان الزوجية وقدرًا آخر لمكان الرضاع فإنه لا منافاة بين الأمرين.
القول الثالث: قال الواحدي في البسيط: الأولى أن يحمل على الزوجات في حال بقاء النكاح لأن المطلقة لا تستحق الكسوة وإنما تستحق الأجرة.
فإن قيل: إذا كانت الزوجية باقية فهي مستحقة النفقة والكسوة بسبب النكاح سواء أرضعت الولد أو لم ترضع فما وجه تعليق هذا الاستحقاق بالإرضاع.
قلنا: النفقة والكسوة يجبان في مقابلة التمكين، فإذا أشغلت بالحضانة والإرضاع لم تتفرغ لخدمة الزوج فربما توهم متوهم أن نفقتها وكسوتها تسقط بالخلل الواقع في خدمة الزوج فقطع الله ذلك الوهم بإجاب الرزق والكسوة، وإن اشتغلت المرأة بالإرضاع، هذا كله كلام الواحدي رحمه الله. اهـ.